فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

المذَبْذَب: المتردّد بين أمرين؛ والذَبذبة الاضطراب.
يقال: ذَبْذَبْته فتذبذب؛ ومنه قول النابغة:
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سَوْرَة ** ترى كلّ مَلْك دونَها يَتَذَبْذَبُ

آخر:
خيال لأم السّلْسَبيل ودونها ** مَسيرة شَهْر للبريد المذَبْذِبِ

كذا روى بكسر الذال الثانية.
قال ابن جِنِّي: أي المهتز القلق الذي لا يثبت ولا يتمهّل.
فهؤلاء المنافقون متردّدون بين المؤمنين والمشركين، لا مخلصين الإيمان ولا مصرَّحين بالكفر.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تَعِير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى» وفي رواية «تَكُر» بدل «تَعير». اهـ.

.قال الألوسي:

{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك} حال من فاعل {يُرَاءونَ} [النساء: 142] أو من فاعل {يَذَّكَّرُونَ} [النساء: 142] وجوز أن يكون حالًا من فاعل {قَامُواْ} [النساء: 142] أو منصوب على الذم بفعل مقدر، وذلك إشارة إلى الإيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين، ولذا أضيف {بَيْنَ} إليه، وروي هذا عن ابن زيد ويصح أن يكون إشارة إلى المؤمنين والكافرين فيكون ما بعده تفسيرًا له على حد قوله:
الألمعيَّ الذي يظن بك الظن ** كأن قد رأى وقد سمعا

والمعنى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان، وأصل الذبذبة كما قال الراغب: صوت الحركة للشيء المعلق، ثم استعير لكل اضطراب وحركة، أو تردد بين شيئين، والذال الثانية أصلية عند البصريين، ومبدلة من باء عند الكوفيين، وهو خلاف معروف بينهم، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {مُّذَبْذَبِينَ} بكسر الذال الثانية ومفعوله على هذا محذوف أي مذبذبين قلوبهم أو دينهم أو رأيهم ويحتمل أن يجعل لازمًا على أن فعلل بمعنى تفعلل كما جاء صلصل بمعنى تصلصل أي متذبذبين، ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود (متذبذبين). اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن عباس {مُّذَبْذَبِينَ} بكسر الذال الثانية، والمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو رأيهم، بمعنى يتذبذبون كما جاء صلصل وتصلصل بمعنى، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: متذبذبين، وعن أبي جعفر: مدبدبين بالدال المهملة، وكأن المعنى أنهم تارة يكونون في دبة وتارة في أخرى، فلا يبقون على دبة واحدة والدبة الطريقة وهي التي تدب فيها الدواب. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {بَيْنَ ذلك} أي بين الكفر والإيمان، أو بين الكافرين والمؤمنين، وكلمة {ذلك} يشار به إلى الجماعة، وقد تقدم تقريره في تفسير قوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] وذكر الكافرين والمؤمنين قد جرى في هذه القصة عند قوله: {الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين} [النساء: 139] وإذا جرى ذكر الفريقين فقد جرى ذكر الكفر والإيمان قال قتادة: معنى الآية ليسوا مؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك. اهـ.
قال الفخر:
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الحيرة في الدين إنما تحصل بإيجاد الله تعالى وقالوا: إن قوله: {مُّذَبْذَبِينَ} يقتضي فاعلًا قد ذبذبهم وصيرهم متحيرين مترددين، وذلك ليس باختيار العبد، فإن الإنسان إذا وقع في قلبه الدواعي المتعارضة الموجبة للتردد والحيرة، فلو أراد أن يدفع ذلك التردد عن نفسه لم يقدر عليه أصلًا، ومن رجع إلى نفسه وتأمل في أحواله علم أن الأمر كما ذكرنا، وإذا كانت تلك الذبذبة لابد لها من فاعل، وثبت أن فاعلها ليس هو العبد ثبت أن فاعلها هو الله تعالى، فثبت أن الكل من الله تعالى.
فإن قيل: قوله تعالى: {لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} يقتضي ذمهم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكافرين، وذلك يقتضي أنه تعالى ما ذمهم على طريقة الكفار وإنه غير جائز.
قلنا: إن طريقة الكفار وإن كانت خبيثة إلا أن طريقة النفاق أخبث منها، ولذلك فإنه تعالى ذم الكفار في أول سورة البقرة في آيتين، وذم المنافقين في بضع عشرة آية، وما ذاك إلا أن طريقة النفاق أخبث من طريقة الكفار، فهو تعالى إنما ذمهم لا لأنهم تركوا الكفر، بل لأنهم عدلوا عنه إلى ما هو أخبث منه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} صفة لـ {مذبذبين} لقصد الكشف عن معناه لما فيه من خفاء الاستعارة، أو هي بيان لقوله: {مذبذبين بين ذلك}.
و{هؤلاء} أحدهما إشارة إلى المؤمنين، والآخر إشارة إلى الكافرين من غير تعيين، إذ ليس في المقام إلاّ فريقان فأيّها جعلته مشارًا إليه بأحد اسمي الإشارة صحّ ذلك، ونظيره قوله تعالى: {فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه}. والتقدير لا هُم إلى المسلمين ولا هُم إلى الكافرين.
و(إلى) متعلّقة بمحذوف دلّ عليه معنى الانتهاء، أي لا ذاهبين إلى هذا الفريق ولا إلى الفريق الآخر، والذهاب الذي دلّت عليه (إلى) ذهاب مجازي وهو الانتماء والانتساب، أي هُم أضاعوا النسبتين فلا هم مسلمون ولا هم كافرون ثابتون، والعرب تأتي بمثل هذا التركيب المشتمل على (لا) النافية مكرّرةً في غرضين: تارة يقصدون به إضاعة الأمرين، كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع «لا سَهْلٌ فيُرْتقَى ولا سمين فيُنْتَقَل» وقوله تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ ولا صلّى} [القيامة: 31] {لا ذلول تثير الأرض وَلا تسْقي الحرث} [البقرة: 71].
وتارة يقصدون به إثبات حالة وسَط بين حالين، كقوله تعالى: {لا شرقيةٍ ولا غريبةٍ} [النور: 35] {لا فارض ولا بكر} [المائدة: 68]، وقول زهير:
فلاَ هُو أخفاها ولم يَتَقَدّمِ

وعلى الاستعمالين فمعنى الآية خفي، إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان والكفر، لأنّه لا طائل تحت معناه، فتعيّن أنّه من الاستعمال الأول، أي ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين.
وهم في التحقيق.، إلى الكافرين.
كما دَلّ عليه آيات كثيرة.
كقوله: {الذين يتُخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} [النساء: 139] وقوله: {وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} [النساء: 141].
فتعيّن أنّ المعنى أنهم أضاعوا الإيمان والانتماء إلى المسلمين، وأضاعوا الكفر بمفارقة نصرة أهله، أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب.
والمقصود من هذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتِهم لينبذهم الفريقان. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يُضْلِلِ الله} لعدم استعداده للهداية والتوفيق {فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} موصلًا إلى الحق والصواب فضلًا عن أن تهديه إليه، والخطاب لكل من يصلح له وهو أبلغ في التفظيع. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذه الآية على قولهم من وجهين:
الأول: أن ذكر هذا الكلام عقيب قوله: {مُّذَبْذَبِينَ} يدل على أن تلك الذبذبة من الله تعالى، وإلا لم يتصل هذا الكلام بما قبله.
والثاني: أنه تصريح بأن الله تعالى أضله عن الدين.
قالت المعتزلة: معنى هذا الإضلال سلب الألطاف، أو هو عبارة عن حكم الله عليه بالضلال، أو هو عبارة عن أن الله تعالى يضله يوم القيامة عن طريق الجنة، وهذه الوجوه قد تكلمنا عليها مرارًا. اهـ.
فصل في الرياء:

.قال ابن عبد ربه:

زيادٌ عن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والشِّرْكَ الأصغر؛ قالوا: وما الشِّرك الأصغر يا رسول اللّه؟ قال: الرِّياء.
وقال عبدُ الله ابن مسعود: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا رِياءَ ولا سمعة، من سَمَع سَمَّع الله به. وقال صلى الله عليه وسلم: ما أسرًّ آمرؤٌ سريرةً إلا ألْبسه الله رِداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. وقال لُقمان الحكيم لابنه: احذَر واحدةً هي أهلٌ للحذر؟ قال: وما هي؟ قال: إياك أن تُرِيَ الناسَ أنك تَخْشىَ اللهّ وقَلْبُكَ فاجر. وفي الحديث: «من أصلح سريرَته أصلح الله علانِيَته». وقال الشاعر:
وإذا أظْهرتَ شيئًا حسنًا ** فَلْيَكُن أحسَنَ منه ما تُسِرّ

فَمُسِر الخير مَوْسومٌ به ** ومُسِرً الشرً مُوْسُوم بِشرّ

صلّى أشعب، فخفَّف الصلاة فقِيل له: ما أخفَّ صلاتَك! قال: إنه لم يُخالِطْها رِياء. وصلى رجلٌ من المُرائين، فقيل له: ما أحسنَ صلاَتك! فقال: ومع ذلك إني صائم. وقال طاهرُ بنِ الحُسين لأبي عبد الله المَرْوزِيّ: كم لك منذُ نزلتَ بالعِراق؟ قال: منذُ عشرين سنةَ، وأنا أصوم الدهرَ منذ ثلاثين سنة. قال: أبا عبد الله، سألتك عن مسألة فأجبتني عن مسألتين. الأصمعيُ قال: أخبرني إبراهيمُ بن القَعقاع بن حَكيم، قال: أمر عمر بن الخطاب لرجلٍ بِكيس، فقال الرجُل: آخُذ الخَيْط؟ قال عمر: ضَع الكِيس.
قال رجل للحسن، وكَتب عنده كِتابًا: أتجعلني في حِل من تُراب حائِطك؟ قال: يا بن أخي، وَرَعُك لا يُنْكر. وقال محمود الوراق:
أظهرُوا للنَّاس دِينًا ** وعلى الدَينار دارُوا

وله صامُوا وصلَّوا ** وله حَجوا وزَارُوا

لو بَدا فوق الثّريّا ** ولهمْ رِيشٌ لطارُوا

وقال مُساور الوَرَّاق:
شمر ثِيابَك واستعدَ لقائلٍ ** واحككْ جَبينَك للقَضاء بثُوم

وعليك بالغَنَوِيّ فاجْلِسْ عنده ** حتى تُصِيب وَديعة لِيَتيمَ

وإذا دَخَلْتَ على الرَّبيع مُسلِّمًا ** فاخصُص سَيابةَ منك بالتَّسليم

وقال:
تصوَّفَ كَيْ يُقال له أمين ** وما يَعْني التَّصوفَ والأمانَهْ

ولم يُرِد الإله به ولكنْ ** أراد به الطريقَ إلى الخيانهْ

وقال الغَزّال:
يقولُ لي القاضي مُعاذٌ مُشاوِرًا ** ووَلّى آمرأً، فيما يَرى، من ذَوِي العَدْل

قَعِيدَك ماذا تَحْسَب المرء فاعلًا ** فقلت وماذا يَفْعل الدَّبْر في النَّحْل